لعل الأدق تعبيرا
هو ان جبهة التحرير الفلسطينية تحتفل بمناسبة يومها الوطني رغم كل الظروف الدقيقية
التي تمر بها القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني لتعطي احتفالاتها نموذجا نضاليا،
ورغم ضعف امكانياتها المالية ، فهذه الاحتفالات اتت لتؤكد بأن الجبهة ماضية على خط
شهدائها القادة العظام الامناء العامين طلعت يعقوب وابو العباس وابو احمد حلب وقادتها حيث مثلت مسيرة الجبهة في إيجابياتها وسلبياتها
تجربة فريدة في النضال الوطني التحرري، وزاوجت بين الوطني والقومي في معادلة فريدة
وناجحة، وان كنا في هذا اليوم نقف أمام تاريخ حافل مجيد من العطاء والنضال والتضحيات
والإسهام الكبير في الكفاح الوطني الفلسطيني، وتاريخ من الدروس الفذة التي اختطتها
في المسيرة النضالية ليس على المستوى الوطني أو العربي وانما أيضا على صعيد حركة التحرر
الوطني العالمية.
لقد أعطت جبهة التحرير
الفلسطينية للقضية الفلسطينية بعدها العربي والاممي، وبذلك شكلت خصوصية فريدة في حركة
اليسار العربي والاحزاب الوطنية والقومية والتقدمية العربيه ، واستطاعت ومن خلال طرحها
الفكري الإنساني، استقطاب العديد من المناضلين ، كما حددت صورة دقيقة لكيفية إقامة
التحالفات على الصعيد الدولي. لقد زاوجت الجبهة بين الإيمان النظري ووضع البرامج، وبين
التطبيق العملي على صعيد الواقع، وفي العلاقة مع جماهيرها الفلسطينية والجماهير العربية
في الساحات التي كانت فيها، وحيثما هي موجودة حاليا .
وامام مراحل
النضال المختلفة قدمت جبهة التحرير الالاف الشهداء، بدءا من صفوفها القيادية الأولى
، ولعل تجربة المقاومة تسجل لجبهة التحرير الفلسطينية بأحرف من نور، كذلك التجربة النضالية
لأعضائها في سجون العدو الصهيوني.
ان أكثر القضايا
التي تتمايز بها جبهة التحرير الفلسطينية مواقفها الجريئة على الصعيد السياسي أو الفعل
النضالي، فهي المتوائمة مع أطروحاتها الاستراتيجية ونهجها التكتيكي، ولعل من أكثر ما
تتمايز به جبهة التحرير الفلسطينية في علاقاتها مع الفصائل الفلسطينية صراحة مواقفها،
ووقوفها بحزم الى جانب منظمة التحرير الفلسطينية وهي من رفضت سياسة المحاور والتكتلات
والانقسام وأدركت على الدوام حقيقة التناقض التناحري، الذي يجب ان يكون ضد الاحتلال،
بعيدا عن الحسابات الذاتية والمصالح، ولعل التجربة الأبرز في تحالفات جبهة التحرير
كانت دوما مع الاحزاب والقوى العربية ايمانا بنهج الشهيد القائد الامين العام ابو العباس
أحد رموز النضال الفلسطيني والعربي والأممي، تاريخاً ينطوي على احتفالية مزدوجة في
السنوات اللاحقة.
ونحن نرى ان الاحتفالات
التي اقامتها الجبهة اثبتت بانها ذات الطابع الجماهيري الواسع والمفتوح، وما مسيرة
قطاع غزة تستدل منها على حجم جمهورها ومناصريها ،حيث يتناسب شكل الاحتفال، مع طبيعة
الأوضاع، ، وأيضاً مع طبيعة الأوضاع الكفاحية، والمكانة الشعبية التي تحظى بها الجبهة.
ان احتفالات جبهة
التحرير الفلسطينية ستترك بصمات ونكهه خاصة به، فان هذه الأيام، وهذا يعني التواصل،
والربط بين الماضي والحاضر الذي ينتظر تجديد الشباب في المستقبل، انه تاريخ مجيد من
النضال الذي يميز مسيرة الشعب الفلسطيني، ولا يمكن لأحد مهما بلغ من قوة ان يقفز عنه،
أو يتجرأ على شطبه، فتلك السنوات لم تكن اعلام ترف، بل كانت مليئة بالتضحيات التي تراكم
وتحضر لسنوات الانتصار.
فجبهة التحرير الفلسطينية
احتلت مكانتها في الحركة الوطنية الفلسطينية بالتضحيات الجسام ، رغم حجم الامكانيات
التي تحوز عليها وتتطلبها ظروف النضال الصعبة والمكلفة جداً، فإن ثمة تذكيراً مهماً
بالدور الكبير الذي قامت به الجبهة في مسيرة النضال الوطني وتشديداً على أهمية استمرار
هذا الدور، وهو دور يجعل من الجبهة أحد أعمدة العمل الوطني الفلسطيني وفاعلاً مؤثراً
في مجريات السياسة الفلسطينية ، وجزءاً أساساً من مكونات العمل الوطني والكفاحي الفلسطيني
من خلال دورها الفاعل والحيوي في بلورة الهوية الوطنية الفلسطينية والنضال الوطني و
في تطوير وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية.
وامام كل ذلك اكدت
جبهة التحرير في احتفالاتها بأن طريق النضال صعب، وان الشعب الفلسطيني وقيادته يخوضون
معركة حقيقية بمواجهة الاحتلال الصهيوني على الصعيد الدولي و امام المحاكم الدولية، لفضح هذا الكيان العنصري الذي تعتبره الادارة الامريكية
قاعدة و قلعة و اداة فعالة لعدوانها على فلسطين و المنطقة، وهذا يتطلب الارتقاء الشاق
بالنضال من اجل تصحيح مفاهيم الحق والعدل في السياسة الدولية، وبث روح جديدة في النضال
من اجل تحقيق طموحات وآمال الشعب الفلسطيني.
ومن موقع تقديرنا
لدور الجبهة التي ارست تقاليد مميزة، فأننا نتطلع الى دور المؤسسة الجامعه، احتراما
للتاريخ الذي مثله شهدائها القادة العظام ، في تجربة الجبهة وتاريخها ونضالاتها وتضحياتها
وتراثها،فهي من رفضت أوسلو كواقع، وحافظت على المشروع الوطني وادركت ثقل وجسامة هذه
المهام في ظل الظروف الراهنة ،واعتبرت أن المعركة والصراع مع الاحتلال مسألة إستراتيجية
لا تخضع لأية اعتبارات، حتى وإن كانت الظروف تتحدث عن تسوية أو سلام، ورأت ان ما جري
في المفاوضات التي جرت لايمكن ان يصل الى تسوية ولا سلام، واعتبرت أن من حق الشعب الفلسطيني
المشرد والواقع تحت الاحتلال أن يناضل بكل الأشكال بما فيها المقاومة.
لذلك نرى اهمية استنهاض الهيئات القيادية والكادرية
في الجبهة ووضع خطط عمل وآليات جديدة، حتى تتمكن الجبهة مع كافة القوى والفصائل مواجهة
ما يجري على الساحة الفلسطينية في ظل الانقسام الكارثي من مشاريع ، حيث يتعرض المشروع
الوطني لتدمير وتبديد كل منجزاته ومكتسباته ، وهناك مهمة أخرى على غاية الأهمية، وهي
عدم رهن الجبهة لقراراتها ومواقفها السياسية وإخضاعها لهذه الجهة أو تلك، وعلى الجبهة
أن تخط نهجها ورؤيتها على أرض الواقع وبين الجماهير من خلال التركيز على الهموم المباشرة
للمواطن، الهموم الاقتصادية والاجتماعية، وعلى أن يترافق ذلك مع استمرار فعلها النضالي،
وإشاعة العلاقات الديمقراطية مع الجماهير، باعتبارها تعبر عن أمانيها وتطلعاتها ، وخصوصاً
المسحوقة منها، وهذا رهن بمدى قدرة الإبداع واستدخال واستنباط أشكال ووسائل عمل جديدة،
تواكب التطورات الحاصلة، وحتى لا تعيش حالة من الاغتراب والانعزال عن الجماهير في إطار
الفعل والمبادرة والتصدي لجرائم ومشاريع الاحتلال.
ان ما تتعرض له
المنطقة العربيه من هجمة امبرياليه صهيونيه استعمارية وفي ظل تقدم الفكر الإنغلاقي
والتكفيري والثقافة المشبعة بالتطرف والعنصرية،والدعوات المذهبية والطائفية والتحصن
والتحلق حولها، مع بروز قوى الارهاب ذات الطابع الديني التي تحظى بتأييد الدوائر الامبريالية
والقوى الرجعية العربية لكي تستبيح الجغرافيا العربية،وتنهب خيراتها وثرواتها وتفكك
جغرافيتها،وما تقوم به عصابات الارهاب من القتلة المجرمين وما يرتكبوه من جريمة نكراء
بحق الشعوب العربيه ،يعطي الحجج والذرائع لدولة الإحتلال "الإسرائيلي" بإستمرار
ممارسة جرائمها بحق الشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية والمسيحية مما يستدعي تعزيز دور الاحزاب العربيه والعمل على
دعم قوى المقاومة في التصدي للمشاريع العدوانية الامبريالية، الهادفة لتفتيت العالم
العربي الى دويلات طائفية ومذهبية واثنية ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية كل ذلك مقدمة
تبرر وجود الكيان الاسرائيلي ومطامحه التوسعية ودوره كقاعدة متقدمة للامبريالية ولارهاب
الدولة في العالم العربي
ان ما يتعرض له
مخيم اليرموك، يتطلب من الكل الفلسطيني موقف أكثر جدية يتجاوز الحديث عن توفير القضايا
والمتطلبات الإغاثية، لأن ما تقوم به العصابات
الارهابية المسلحة في استباحة المخيم، بات يتطلب ما هو أكثر من الحياد السلبي واستمرار
الحديث عن عدم التدخل في الشؤون الداخلية، مما يستدعي العمل على حماية الشعب الفلسطيني
من الذبح والموت المتواصل وهذا يعتبر ليس تدخلاً في شؤون أحد، إنه الواجب الوطني الذي
من حق منظمة التحرير ان تمارسه كما مارسته سابقا في دفاعها عن شعبنا طيلة السنوات الماضية
وذلك من خلال التنسيق مع الحكومة السورية لصون دماء الشعب الفلسطيني حتى لا تبقى عرضة
للاستباحة بأي حال من الأحوال من خلال إخراج كل المجموعات المسلحة من المخيم .
ومن هنا نرى ان
مواقف جبهة التحرير الفلسطينية على مستوى لبنان وخاصة لجهة تعزيز وتطوير العلاقة التي
تربط الشعبين اللبناني الفلسطيني تشكل نقطة تحول مهمة لأن هذه العلاقة هي علاقة تلاحم امتزج فيها الدم الفلسطيني واللبناني
منذ نكبة فلسطين وقبلها وبعدها وقدم خلالها
الشعب اللبناني قوافل الشهداء والتضحيات من اجل القضية الفلسطينية ، اضافة ان هذه العلاقات
اقترنت منذ امد طويل بعلاقة الاهل والقربى والنسب والمصاهرة ، وهي تتطلع الى الحكومة
اللبنانية اقرار الحقوق المدنية والاجتماعية للشعب الفلسطيني في لبنان حتى يتمكن من
مواصله نضاله وتمسكه بحق العودة الى دياره التي هجر منها، لأن بوصلة الشعب الفلسطيني
ستبقى باتجاهِ واحد هو فلسطين ، لأن ما يجمع الشعب الفلسطيني مع لبنان الشقيق وشعبه
هو احتضانه لقضية فلسطين، ولا يمكن أن يكون الشعب الفلسطيني خنجرا في صدر الشعب اللبناني
وجيشه الوطني ومقاومته ،وهذا ما اكدت عليه جميع الفصائل الفلسطينية على النأي بالمخيمات
والفلسطينيين عن كل ما يجري، والبقاء على مسافة واحدة من جميع الأطراف، لذلك فأن امن
صيانة المخيمات وحماية أهلها وسكانها وديمومتها حتى التحرير والعودة الى فلسطين ،من
خلال تعزيز العلاقات اللبنانية الفلسطينية
و بين المخيمات والجوار .
ختاما: لا بد من
القول ان مسيرة جبهة التحرير الفلسطينية طويلة وشاقة ولكنها مضيئة ومتواصلة بعزيمة
لا تكل بمناضليها ومناضلاتها, فهي تحمل الى جانب فصائل العمل الوطني الفلسطيني العنفوان
والعزة الوطنية للشعب الفلسطيني, حيث لعبت دوراً أساسياً في الحفاظ على مكتسباتنا الوطنية
وفي الطليعة منها منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي الوحيد لجماهير الشعب
الفلسطيني، في كل اماكن تواجده ، في داخل الوطن المحتل والشتات والمخيمات والمنافي،
ولا تزال تتحمل مسؤولية الحفاظ على منظمة التحرير رغم كل المؤامرات الخارجية والداخلية،
التي حاولت بلا كلل أو ملل الاطاحة بهذا المنجز التاريخي للشعب الفلسطيني.
كاتب سياسي
0 التعليقات:
إرسال تعليق